مكونات عطرية

الداتورة: زهرة السُكر والجمال المسموم

في قلب الظلام، حين تسكن العيون وتستيقظ الأحلام، تتفتح زهرة لا تشبه غيرها … إنها الداتورة، زهرة الليل المسحور، البوق الأبيض الذي ينفث الجمال والسم معًا، ليست وردة تُهدى، بل تعويذة تُستدعى، تحمل في طياتها تاريخًا من الطقوس القديمة والسحر والهلوسة والعطور الغامضة.

عرفها القدماء نباتًا مقدسًا يفتح بوابات الوعي المظلم، وخشيها الأطباء لما فيها من سمّ قد يسرق العقل أو ينقذ الحياة، أما صانعو العطور، فلم يقتربوا منها إلا بحذر، يسرقون من وهجها البعيد فكرة، ومن عبيرها الليلي إلهامًا.

الداتورة ليست مكوّنًا عطريًا شائعًا، بل شعورٌ يُستحضر: تلك الرغبة في التحليق خارج الزمن، والانجذاب نحو جمالٍ لا يُروى، بل يُعاش كحلمٍ قصيرٍ مشوب بالقلق والافتتان.

رائحة الداتورة: حلم أبيض مخدّر

رائحة الداتورة معقدة وغامضة، لا يمكن وصفها ببساطة كأنها زهرة عادية، هي رائحة مخدّرة، ناعمة، ساحرة وسامة في آن واحد، عند الاقتراب منها قد يشعر المرء بنفحات:

رائحة ليلية كأنها بُخُور حلمي ينبعث من زهرة تتفتح فقط حين ينام العالم.

تتفتح أزهارها غالبًا في المساء وتثبح رائحتها أكثر وضوحا.

هي ليست زهرة منعشة أو لطيفة، بل مغوية ومقلقة في الوقت ذاته، توحي بجمال غامض قد يكون خطيرًا إن تمادى، لذلك استلهم منها بعض العطور نغمة “مخملية/سامة” دون أن يستخدموها فعليًا.

موطن الداتورة: سُلالة من الشرق والغرب

من أكثر الزهور غموضًا وسحرًا، وتُعرف أيضًا باسم “بوق الشيطان” أو “Trumpet Flower” بسبب شكلها المخروطي الكبير الذي يُشبه البوق، تنتمي إلى الفصيلة الباذنجانية (Solanaceae)، وهي نفس عائلة نباتات مثل البطاطا والطماطم، وموطنها الأصلي على الأرجح هو:

أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى: حيث كانت تُستخدم من قِبل السكان الأصليين لأغراض روحية وسحرية.

لكنها انتشرت لاحقًا إلى:

شبه القارة الهندية

شمال إفريقيا

الشرق الأوسط

أوروبا (بخاصة في العصور الوسطى كجزء من طب الأعشاب والسحر).

وقد اعتُبرت مقدسة في بعض الثقافات، ومسكونة في ثقافات أخرى، وشيطانية في ثقافات ثالثة، قوتها السحرية جذبت الناس، لكنها في الوقت نفسه بثت الرهبة.

زهرة السحرة والأنبياء والمجانين

من أميركا الجنوبية إلى الهند، ومن الطقوس الشامانية إلى المعتقدات الشعبية، كانت الداتورة حاضرة في تاريخ الإنسان كمفتاحٍ للبوابة بين العوالم.

استخدمها الشامان لإحداث الرؤى، واستُخدمت في العصور الوسطى ضمن وصفات الطيران”الشهيرة للساحرات، كانت تُخلط مع دهون الجلد لتُحدث هلاوس بصرية، وقد سجل الأطباء العرب والفرس خواصها بعناية شديدة.

لكن هذا السحر ليس بلا ثمن، فالجرعات الزائدة من الداتورة تُسبب فقدانًا للعقل وجفافًا شديدًا وهلوسات متواصلة، وقد تؤدي إلى الوفاة، لهذا بقيت دائمًا زهرة على الحافة: بين العلم والخرافة، بين العلاج والسم، بين العطر والجنون.

السمّية:

يُعدّ النبات شديد السُمية بجميع أجزائه، بما في ذلك البذور، الأوراق، الجذور، والأزهار، وذلك لاحتوائه على قلويدات خطيرة مثل الأتروبين، السكوبولامين والهيوسيامين.

الأعراض:

يؤدي تناول أي جزء من النبات إلى أعراض خطيرة تشمل الهلوسة، الارتباك، جفاف الفم، تسارع ضربات القلب، وقد تتفاقم الحالات لتصل إلى الوفاة في حال التسمم الشديد.

الداتورة في العطور: الإيحاء لا الاستخلاص

لا تُستخدم زهرة الداتورة كمكوّن عطري مباشر في صناعة العطور بسبب سميتها الشديدة، لكن بعض العطور الحديثة استلهمت رائحتها الليلية، البيضاء والمخدّرة.

الوصف الشمي لزهرة الداتورة:

زهرة الداتورة تُعدّ من أكثر الأزهار إثارة للفضول في عالم النباتات السامة، ليس فقط بسبب تأثيرها النفسي القوي، بل أيضًا لما تحمله من رائحة زهرية بيضاء مخدّرة لا تُنسى، تنبعث منها نغمات زهرية كثيفة تذكّرنا بالغاردينيا والياسمين الليلي، لكنها أكثر سكونًا وعمقًا، تحمل في طيّاتها مسحة من التبغ الحلو والعسل الداكن، وكأنها تُخفي سِرًا غامضًا خلف جاذبيتها.

يفوح منها نَفَس مسكِر، ناعم ومخدر، يلامس الحواس برقة ثم يلتفّ حولها بثقل، مع إيحاءات شمعية ولمحات من اللوز المر وقشّ الشمس المجفف.

أحيانًا تنبض خلفها نغمة جلدية رطبة أو مسك نباتي غامض، تضفي بُعدًا نفسيًا داكنًا على تجربتها الشمية.

إنها رائحة تحمل التناقض: جميلة وخطرة، فاتنة ومنذِرة في آنٍ واحد، كأنها نداءٌ مخمليّ من عالم آخر لا يُنسى بسهولة.

عندما نبحث عن “إحساس الداتورة” في العطر، فنحن نبحث عن ذلك البعد الغامض الذي يشبه الحلم، شيءٌ كريه وجميل في آن، يدعوك لتشمّه مرة أخرى رغم معرفتك بأنه ليس آمنًا تمامًا، عطور مثل:

Datura Noir من Serge Lutens

Mon Paris من Yves Saint Laurent

Pure Narcotic من Boadicea The Victorious

Ginza Datura من Shiseido

Ricci Ricci من Nina Ricci

Secrete Datura من Maitre Parfumeur Et Gantier

Datura Amaretti من Panouge

تحمل روح الداتورة دون أن تقترب منها حرفيًا.

في الختام: عبيرٌ لا يُشم، بل يُتخيَّل

الداتورة ليست زهرة تُقطف بل فكرة تُستحضر، هي تمثيلٌ لكل ما هو جميل وخطير في آن، وجودها في عالم العطور ليس واقعيًا، بل استعارة لعلاقة الإنسان بما لا يستطيع تفسيره.

في عالم Aromatic Glance تمثل الداتورة نوعًا من الشغف الخفي _ ذلك العطر الذي لا يُصنع بل يُحلم به.

Issam Al_Daoor

I am the founder of Aromatic Glance Website. I was born in Gaza, Palestine. I spent my childhood in Saudi Arabia, earned a Bachelor’s degree in Medicine and General Surgery in Egypt, and currently work as a Specialist in Anesthesia and Intensive Care. Additionally, I hold certifications and have experience in digital marketing, SEO, and WordPress. As an Arabic content writer, I personally oversee the editing and revision of all articles on website. My goal is to develop Arabic fragrance content through highly accurate articles that serve as a reference for everyone worldwide

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى