
عطر ظفار من دار رين دي سابا من تصميم العطار أرتوريتو لاندي.
هذا العطر لا يتبع خطاً كلاسيكياً محدداً بل هو تمويه بنيوي معماري مُتقن يخفي قوته الحقيقة خلف ظل من الرقة المؤقتة.
يُخفي الهوية خلف هندسة عاطفية معقدة تتحدث بلغة غامضة وكأنها قصيدة شعرية بقافية نوتات عطرية موحدة، بتَنقّل ذكي بين التناقضات كحلاوة الفواكة وحرارة الزعفران وخشونة العود ودفء العسل وبودرية السوسن وطراوة الجلود.
الحضور الفاكهي واضح في نقطة الشروع فيعطي انطباعاً بأن العطر مألوف قبل أن يكشف حقيقته بعد دقائق لِيُفهَم ويُقدَّر، إنه عطر معقد ليس سهل الارتداء.
الافتتاحية: فاكهية مُخمَّرة بدماء شرقية من الكشمش الأسود والتوت والزعفران الفاخر، حيث الزعفران هنا هو رمز لعتبة الشرق.
الافتتاحية متوازنة ومتناغمة بين الحلاوة والتوابل، بلا نضارة تقليدية بل مؤدلجة توحي لك بفويضات جريئة سردية قادمة.
قلب العطر: ساحة حوار طبقي بين الرقـة والهيبة، تعكس مهارة العطار بتقنية المزج الطبقي، حيث التوازن بين النبض الحار من الورد والياسمين الكلاسيكي، والهدوء البارد من السوسن الفخم الذي يضبط ديناميكية الزهور، مع زهرة الوادي وهي الذكاء المخفي التي تفكك كثافة المشهد بلمسة ضوء ساحرة هندسية تمنع التركيبة من الانهيار تحت ثقل العود القادم في القاعدة.
الأنف الخبير سيفتقد في قلب العطر نقطة التحول الدرامية المفاجئة فليس هناك بصمة قوية أو لحظة ذروة في القلب.
قاعدة العطر: يبلغ التصميم المعماري ذروته بـاندماج العود المُفلتر (لاحيواني ولا لاذع ولا كثيف) جلدي الروح بنكهة دخـانية غير صاخبة.
القاعدة لاتصرخ بل تنساب ببطء، والعسل لايُستعمل للحلاوة بل كوسيط عاطفي يمنع العطر من السقوط في فخ القسوة او الجفاف، ويربط العود مع باتشولي لاترابي بل هو أقرب الى ظلال خضراء ناعمة تغلف الجلد.
القاعدة لا تنتهي فجأة بل تنطفئ ببطء، مثل نار تغطى بالرماد حيث يبقى دفئها موجوداً.
في هذا العطر البنية الهرمية تم تفكيكها لصالح المستويات المتداخلة فلا يتطور العطر من الأعلى الى الأسفل، بل يدور بمسارات حلزونية تجعل كل مرحلة مرآة للأخرى بصورة مصغرة، مثل الزعفران الذي يعود في القاعدة بشكل خفي والجلد الذي يلوح في الافتتاحية دون ان يُعلن عن نفسه.
في هذا العطر نلحظ حضوراً واضحاً للمدرسة الفرنسية في التصميم بهوية هجينة مع المدرسة الشرقية التقليدية فأصبح عطراً فرنسياً بروح شرقية فاخرة.
شخصياً أعتبره افضل عطور هذه الدار.