
نعتقد جميعا أننا نعرف روائح معظم الأشياء، وأننا نشعر بها بطريقة متساوية، ولكن الحقائق العلمية تثبت أن رائحة زجاجة عطر أو قطعة جبن أو زجاجة مشروب قد تختلف تماما من شخص إلى آخر، وقد اكتشف علماء أمريكيون أن أحدنا يختلف عن الآخر في الشعور برائحة الأشياء.
وكشف بحث نشر في صحيفة Neuroscience Nature أن مستقبلات الروائح داخل الأنف تختلف بين شخص وآخر حتى نسبة ٣٠٪، وأن كل واحد من هذه المستقبلات يستطيع بمفرده أن يغير الطريقة التي يستقبل بها الشخص الرائحة.
ويقول الدكتور جويل ماينلاند عالم الأحياء الجزيئية: “تبلغ أعداد مستقبلات الروائح في الأنف حوالي ٤٠٠، وتوجد مسافة كبيرة بين ما تشعر به أنت وما أشعر به أنا عندما نشم نفس الشيء، وقد كانت نسبة الاختلاف بالفعل مدهشة لنا، النسبة تكاد تصل إلى ٣٠٪ وهذا الرقم يعتبر مرتفعا جدا”.
والتغير في أحد هذه المستقبلات يؤثر في الشعور بكثافة وجودة رائحة المادة، فقد يجعل ذلك مثلا شخصا يشعر برائحة عطر “خشب الصندل” التي غالبا ما تكون مبهجة وغير نفاذة على أنها رائحة نتنة.
وقد توصل العلماء إلى هذه النتائج بناء على تجارب طويلة توضح أن ١٣٠ من هذه المستقبلات تقريبا يختلف من شخص إلى آخر (أي ما يمثل نسبة الـ ٣٠٪).
يوجد حوالي ٤٠٠ نوع مختلف من بروتينات الاستشعار المتخصصة والمعروفة باسم المستقبلات الشمية، وهناك أكثر من ٩٠٠.٠٠٠ نوع مختلف من هذه البروتينات، تتحكم هذه المستقبلات في المستشعرات التي تحدد كيف نشم الروائح، تنشط أي رائحة معينة مجموعة من المستقبلات في الأنف مما يخلق إشارة محددة للدماغ.
يمتلك البشر حوالي ٤٠٠ نوع مختلف من بروتينات الاستشعار المتخصصة والمعروفة باسم المستقبلات الشمية في أنوفهم، يمكن لجزيء الرائحة أن ينشط عدة مستقبلات شمية مختلفة، في حين أن أي مستقبل معين يمكن تنشيطه بعدة جزيئات مختلفة للرائحة.
والآن دعونا نتطرق لموضوع مقالنا بشكل مفصل أكثر.
وصف العطور يختلف بشكل كبير من شخص لآخر بسبب مجموعة معقدة من العوامل المتعلقة بالبيولوجيا، التجربة الشخصية والبيئة المحيطة.
إليك شرحًا أكثر تفصيلًا للعوامل التي تؤثر على الاختلاف في وصف العطور:
١. الاختلافات الجينية والبيولوجية:
الاختلاف في المستقبلات الشمية:
حاسة الشم تعتمد على مستقبلات شمية موجودة في الأنف، وهذه المستقبلات تختلف من شخص لآخر على المستوى الجيني، هذا يعني أن بعض الأشخاص قد يكون لديهم مستقبلات أكثر حساسية لأنواع معينة من الجزيئات الشمية مما يجعلهم يشعرون بالروائح بطريقة مختلفة.
التغيرات المرتبطة بالعمر:
مع تقدم العمر تقل حساسية الأنف تجاه الروائح، لهذا السبب قد يجد كبار السن العطور أضعف مقارنة بالشباب.
الجنس:
الدراسات أظهرت أن النساء غالبًا ما يكون لديهن حاسة شم أكثر حدة من الرجال، وهذا قد يؤدي إلى اختلاف في وصف العطور بناءً على الجنس.
٢. الروابط بين الروائح والذكريات:
الارتباط العاطفي:
الروائح ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالذاكرة والمشاعر، وهذا يرجع إلى أن النظام الشمي مرتبط بشكل مباشر بالجهاز الحوفي في الدماغ، وهو الجزء المسؤول عن المشاعر والذكريات، هذا يعني أن رائحة معينة قد تثير ذكريات ماضية أو مشاعر مرتبطة بتجربة سابقة، ما يجعل كل شخص يصف الرائحة بطرق مختلفة بناءً على تجاربه.
التجربة الثقافية:
ما يعتبره شخص من رائحة “لطيفة” قد يعتبره آخر “مزعجًا” بناءً على ثقافته أو البيئة التي نشأ فيها.
على سبيل المثال، قد تكون الروائح الحارة مثل العود أو المسك مألوفة ومحببة في بعض الثقافات، بينما قد تكون غريبة أو قوية في ثقافات أخرى.
٣. التأقلم الحسي:
التعود على الروائح:
عندما يتعرض شخص ما بشكل متكرر لعطر معين، قد يتعود أنفه عليه تدريجيًا، مما يقلل من قدرته على ملاحظته بمرور الوقت، هذا يمكن أن يؤدي إلى شعور الشخص بأن العطر أصبح “أضعف” أو “أقل وضوحًا”، رغم أن الآخرين الذين يشمون العطر لأول مرة قد يجدونه قويًا.
التكيف مع الروائح الأخرى:
إذا كان الشخص محاطًا بروائح أخرى في البيئة مثل روائح الطعام، الزهور، أو الهواء النقي، فقد يؤثر ذلك على إدراكه للعطر، العطور يمكن أن تتداخل أو تتكامل مع الروائح المحيطة، مما يغير من تجربة شم العطر.
٤. تأثير المزاج والحالة النفسية:
الحالة النفسية:
حاسة الشم يمكن أن تتأثر بالحالة المزاجية، الشخص الذي يشعر بالتوتر أو التعب قد يكون أقل حساسية تجاه الروائح أو قد يجد الروائح مزعجة أكثر مما هي عليه في الحقيقة، في المقابل الأشخاص في حالة نفسية جيدة قد يستمتعون بروائح كانت تعتبر “عادية” في الظروف الأخرى.
الاضطرابات الشمية:
بعض الحالات الصحية مثل نزلات البرد، الحساسية، أو حتى بعض الأدوية يمكن أن تؤثر على حاسة الشم.
هذه التغيرات يمكن أن تجعل الشخص يصف رائحة معينة بشكل مختلف عما لو كان في حالة صحية جيدة.
٥. المكونات المعقدة للعطور:
المكونات العطرية:
العطور تتكون من مكونات مختلفة، وتنقسم إلى ثلاث طبقات رئيسية:
١. النوتات العليا: وهي الروائح الأولية التي تشمها فور رش العطر، وعادة ما تكون خفيفة وتتلاشى بسرعة.
٢. النوتات الوسطى (القلب): وهي التي تظهر بعد تلاشي النوتات العليا وتشكل الرائحة الأساسية للعطر.
٣. النوتات الأساسية (القاعدة): وهي التي تبقى لفترة طويلة وتظل حتى بعد ساعات من رش العطر.
يمكن لكل شخص أن يركز على طبقة معينة من العطر ويعطيها وزنًا أكبر عند وصفه، وهذا يختلف حسب كيفية تفاعل الجسم والأنف مع كل طبقة.
٦. تفضيلات شخصية ومتغيرات حسية:
التفضيل الشخصي:
الأشخاص الذين يفضلون العطور الزهرية مثل الياسمين والورود قد يجدون صعوبة في تقبل العطور الشرقية أو الخشبية التي تحتوي على مكونات مثل العود أو العنبر.
التفضيلات تلعب دورًا كبيرًا في كيفية وصف الشخص لعطر معين.
الحساسية تجاه الروائح:
بعض الأشخاص لديهم حساسية مفرطة تجاه بعض المكونات مثل المسك أو الفانيليا، مما يجعلهم يشعرون بأن الرائحة قوية أو حتى مزعجة، بينما قد يجدها آخرون لطيفة وناعمة.
٧. العوامل البيئية:
درجة الحرارة والرطوبة:
العطور تتفاعل بشكل مختلف حسب الظروف البيئية، في الطقس الحار تتبخر المكونات العطرية بسرعة مما يجعل العطر يبدو أقوى، بينما في الطقس البارد قد يبدو العطر أضعف.
الرطوبة أيضًا تؤثر على كيفية انتشار الرائحة في الهواء.
البيئة المحيطة:
الروائح المحيطة في المكان مثل الهواء النقي، أو الروائح الصناعية في المدن أو حتى روائح الطبيعة في الأرياف يمكن أن تؤثر على كيفية إدراك العطر، عطر ما قد يبدو مختلفًا عندما يُشم في مكان مغلق مقارنةً بمكان مفتوح.
الخلاصة وصف العطور عملية ذاتية جدًا، تعتمد على عوامل بيولوجية، نفسية، اجتماعية وبيئية، لهذا السبب من الطبيعي أن تجد اختلافات كبيرة في كيفية وصف الناس للعطور ومدى استمتاعهم بها، هذه الفروقات تجعل تجربة العطور شخصية وفريدة لكل فرد.