يتبادر هذا السؤال إلى أذهان الكثيرين: ماهي القوة التي تجعل مادة تطير وتفوح لمسافة ما ومادة أخرى قريبة من جسدك؟ لماذا أجرب عطر في الصيف ولا يعجبني، ثم أجربه مرة أخرى وينال على إعجابي؟
من خلال هذا المقال ستجد الإجابة على هذه الأسئلة.
القوة التي تجعل مادة تطير وتفوح لمسافة معينة تُسمى “الطيران الجزيئي” أو “انتشار الجزيئات”.
تعتمد هذه الظاهرة على خصائص المادة مثل درجة الحرارة، كثافة الجزيئات وحجم الجزيئات نفسها.
المواد التي تطير لمسافات بعيدة تكون عادةً خفيفة أو سائلة بدرجة حرارة مرتفعة، مما يسهل إطلاق جزيئاتها في الهواء، في المقابل المواد التي تبقى قريبة من الجسد تكون أكثر كثافة أو أقل تطايرًا، مثل العطور التي تحتوي على جزيئات أكبر أو أقل تطايرًا.
على سبيل المثال في عالم العطور، بعض المكونات مثل السيترال (Citral) أو الليمونين (Limonene) تكون ذات جزيئات صغيرة وخفيفة، مما يجعلها تتطاير بسهولة وتنشر الرائحة لمسافة بعيدة، بينما مكونات أخرى مثل الفانيليا أو الأخشاب تكون أثقل وتبقى بالقرب من الجسد.
هناك عدة عوامل كيميائية تؤثر على مدى تطاير العطور وكيفية انتشار جزيئاتها في الهواء:
الوزن الجزيئي: المواد ذات الوزن الجزيئي المنخفض تميل إلى التطاير بسرعة أكبر، على سبيل المثال الجزيئات الصغيرة مثل الإيثانول أو الأسترات (مثل الأسيتات) تكون أخف في الوزن وتتبخر بسرعة، مما يساعدها على الانتشار لمسافات بعيدة، في المقابل الجزيئات الأكبر مثل بعض الروائح الخشبية أو العنبر تكون أكثر كثافة ولا تتطاير بسرعة.
القطبية: المواد القطبية مثل الماء أو بعض الروائح الزهرية تميل إلى التفاعل مع الجزيئات القطبية الأخرى أو الهواء بشكل أقوى، ولكنها قد تكون أقل تطايرًا مقارنة بالمواد غير القطبية مثل الهيدروكربونات، المواد غير القطبية تتبخر بسهولة أكبر وتنتشر في الهواء.
درجة الحرارة: العطور التي تحتوي على مكونات تتبخر عند درجات حرارة منخفضة تميل إلى أن تكون أكثر تطايرًا، مع ارتفاع درجة الحرارة تزداد حركة الجزيئات، مما يسهل انفصال الجزيئات الصغيرة وتطايرها في الهواء، العطور التي تحتوي على مكونات ذات نقطة غليان عالية مثل الأخشاب أو العطور الشرقية قد تبقى أقرب للجسم.
العطور التي تُصمم لتكون مشرقة ومنعشة مثل العطور الحمضية أو الزهرية، غالبًا ما تحتوي على مكونات تتطاير بسرعة في درجات حرارة مرتفعة، مثل الصيف الحار أو الأماكن المشمسة، على العكس العطور الخشبية أو الشرقية، التي تحتوي على مكونات مثل خشب الأرز، العنبر، أو التوابل الثقيلة، هي مثالية لفصل الشتاء حيث تبقى مكوناتها ثابتة بالقرب من الجسم، مما يخلق إحساسًا بالدفء.
الضغط الجوي: في ظروف الضغط المنخفض مثل الطيران على ارتفاعات عالية تصبح المواد أكثر تطايرًا لأن هناك فرصة أكبر للجزيئات لكي تتحرر من السائل وتنتشر في الهواء.
في العطور التي تستهدف الأسواق العالمية، يجب على المصممين أخذ الضغط الجوي في الاعتبار، خاصة في الأماكن ذات الارتفاعات العالية، على سبيل المثال إذا كان العطر موجهًا إلى مناطق جبلية أو أماكن عالية، فقد يحتاج إلى مكونات أكثر استقرارًا لأن الضغط المنخفض قد يجعل المكونات الطيارة تتطاير بسرعة أكثر من المعتاد.
العطور الموجهة إلى المناطق الساحلية قد تحتوي على مكونات أكثر تطايرًا لأن البيئة الرطبة تُعزز من بقاء المواد الطيارة في الهواء.
التركيب الكيميائي للعطر: العطور تحتوي على مزيج من المكونات الطيارة مثل الزيوت الأساسية وغير الطيارة مثل المركبات الثقيلة التي تعطي الثبات للرائحة، المكونات الطيارة مثل الليمونين (ليموني)، السيترال والألدهيدات تتطاير بسرعة أكبر، بينما المكونات الثقيلة مثل الفانيليا، العسل أو خشب الصندل تبقى بالقرب من الجلد.
التفاعل مع الهواء: بعض المركبات الكيميائية تتفاعل بسهولة مع الأوكسجين في الهواء مما يجعلها تطير بسهولة أكبر، في حين أن مكونات أخرى قد تكون أكثر استقرارًا، مما يمنحها قدرة على البقاء بالقرب من الجسم لفترة أطول.
نوع البشرة: له تأثير أيضًا على كيفية تطاير العطر، البشرة الدهنية تحافظ على العطر لفترة أطول لأنها تحتفظ بالزيوت العطرية بشكل أفضل مقارنة بالبشرة الجافة التي قد تؤدي إلى تبخر العطر بسرعة أكبر.
بعض العطور قد تكون مصممة لتتفاعل مع درجة حرارة البشرة أيضًا، على سبيل المثال عندما يكون الجسم دافئًا، تتطاير المكونات الطيارة بسرعة أكبر مما يزيد من انتشار العطر.