حين تتحدث الأرض: الباتشولي نغمة الغموض في قصيدة العطر

Issam Al_Daoor 22 مايو، 2025آخر تحديث: 22 مايو، 2025

0 4 دقائق

رغم جذوره الضاربة في أعماق الأرض، يبقى الباتشولي مادةً تحمل تناقضًا فاتنًا: بين الطين والترف، وبين العتيق والحديث، وبين الغريزة والصفاء، قليلٌ من المواد الخام استطاع أن يرسم هذا القدر من الشخصية في العطور، وأن يبني حوله عوالم شمية كاملة، فمنذ دخوله إلى عالم العطور الغربية في القرن التاسع عشر وحتى اليوم، لم يفقد الباتشولي سحره ولا هالته الغامضة، بل تحوّل إلى ركيزة جوهرية في عائلات كالشيبر والشرقية والخشبية.

في هذا المقال، نستعرض البنية الجزيئية للباتشولي، ونعيد رسم خريطته العطرية من خلال تحليله الكيميائي ودوره في تكوين العطور، مع تصنيفه ضمن العائلات العطرية الخمس الأساسية بناءً على استخدامه البنائي، وليس فقط أثره الحسي.

الخصائص الجزيئية:

يعتمد الطابع العطري للباتشولي على مجموعة معقّدة من المركبات الجزيئية، يتصدّرها الباتشولول (Patchoulol)، وهو كحول تربيني ثقيل مسؤول عن الرائحة الترابية العميقة والمخمّرة التي تميز زيت الباتشولي، وإلى جانبه تظهر مركبات أخرى مثل α-غوايين ونورباتشولينول وسيشيلين، والتي تضيف ظلالًا خشبية، عشبية وأحيانًا دخانية أو كهرمانية.

هذا التكوين الجزيئي الفريد لا يمنح الباتشولي فقط ثباتًا استثنائيًا في قاعدة العطر، بل يجعله أيضًا عنصرًا بنائيًا مرنًا يمكنه التلاعب بالمساحات الحسية: من العود إلى الفيتيفر، ومن الشيبر إلى العنبر، بل وحتى في بعض التركيبات الزهرية الداكنة، ولأنه يحتوي على مركبات من فئة الـ Sesquiterpenes، فهو يتفاعل جيدًا مع المواد الراتنجية والبلسمية، مما يعزز من عمق العطر وتعقيده.

الباتشولي يتربع بوضوح ضمن عالم الشيبر والشرقي من التوظيف العطري له، لأنه يمكن أن يأخذ أيًا من هذين الاتجاهين بحسب بنية العطر، ويُستخدم بوظيفة داعمة في الفوجير والأروماتيك، بينما يكون حضوره في الجورماند محدودًا وخاضعًا لتوظيف دقيق.

يساهم الباتشولي في بناء ٤٠٪ من هيكلية الشيبر، ٣٠٪ من الشرقي، ١٥٪ من الفوجير ،١٠٪ من الأروماتيك و٥٪ من الجورماند.

رائحة الباتشولي تمزج بين الأرض الرطبة والخشب الداكن واللمحات الخصراء الغنية، الداكنة والمجففة، ويُمكن أن تتحوّل – بحسب التقطير – إلى خامة شرقية دافئة أو قاعدة شيبرية صارمة أو لمسة جورماندية ترابية مدهشة.

إذا كان الزيت طازجًا أو غير معتّق: يكون فيه نغمة كافورية منعشة قليلاً، وهذا يزيد الطابع الأخضر.

عند الاعتاق: يظهر الطابع الخشبي أكثر.

التصنيف الأساسي: خشبي شرقي طبقا لتصنيف موقع لمحة عطرية للعائلات العطرية لعام ٢٠٢٥.

أولاً: وفق العائلات الخمس الأساسية:

يُعتبر الباتشولي حجر زاوية في البناء الشرقي الكلاسيكي والمعاصر على حد سواء، وذلك بفضل طبيعته الجزيئية الكثيفة وغناه بالمركبات التربينية والألكحولية الثقيلة، مما يمنحه طابعًا ترابيًا، دخانيًا، بلسمياً داكناً يُشبه لمسات التولو واللابدانوم.

ثانيًا: وفق العائلات الفرعية:

يندرج الباتشولي ضمن العائلة الخشبية الترابية (Woody-Earthy Subfamily).

السبب: يُعد الباتشولي من أوضح المواد الخام التي تمثل المزج بين الطابع الخشبي الجاف والعميق والطابع الترابي الغباري الرطب، ما يجعله عنصرًا جوهريًا في هذه العائلة الفرعية.

كما يمكن في بعض التركيبات أن يظهر الباتشولي جانبًا بلسمياً خفيفًا أو حتى عشبيًا، لكن هذه ليست هويته الجوهرية.

ثالثا: من حيث دوره في البناء العطري (دور تركيبي – Structural Role):

يُعد الباتشولي ركيزة أساسية في:

العطور الشيبرية (Chypre): حيث يستخدم مع البرغموت والطحلب لخلق قاعدة كلاسيكية.

العطور الشرقية (Oriental): عند دمجه مع الفانيليا الراتنجات والبهارات يعطي بعدًا دافئًا، غامضًا وبلسميًا.

لماذا الباتشولي لا يُصنّف ضمن الروائح الخضراء رغم وجود لمسة خضراء فيه؟

السبب يعود إلى الهوية الجزيئية الأساسية لمركباته، والتي لا تنتمي إلى الجزيئات الخضراء النمطية.

الباتشولي يحتوي على مركبات:

خشبية، تربينية (كـ Patchoulol و Guaienes).

ترابية، راتنجية، بلسمية.

بعضها يُنتج إحساسًا بـ “العفونة الطبيعية” أو الأرض الرطبة.

لكن رغم أن بعض هذه المركبات قد توحي بالخُضرة (مثل norpatchoulenol أو bulnesene)، فهي ليست خضراء بمعنى “نضرة” أو “عشبية” كـ galbanum أو hexenol، بل هي أقرب إلى:

خُضرة متحللة، داكنة، رطبة، ترابية وليست نضرة، مشرقة، نباتية.

دور التخمير والتقطير

الباتشولي يتطلب تخميرًا لأوراقه قبل التقطير، مما يحوّل المركبات الخضراء النضرة إلى أخرى أعمق وأثقل وأرضية، لذا حتى لو كانت الأوراق خضراء في الأصل، النتيجة النهائية ليست كذلك.

لذلك الباتشولي لا يُعتبر “أخضرًا” لأن طيفه الجزيئي يقود إلى روائح ترابية وخشبية وبلسمية أكثر من كونه عشبيًا نضرًا، أما الخُضرة التي قد تُشم فيه فهي خُضرة داكنة، رطبة، أقرب للطين والنباتات المتحللة، لا تشبه الخضرة المشرقة التي تميز العطور الخضراء الكلاسيكية.

خشبي: يحتوي على جوانب جافة وعميقة، تشبه الخشب العتيق.

ترابي: يحمل نغمة رطبة، تشبه التربة بعد المطر، ناتجة عن وجود مركبات كالتربينات المؤكسدة (patchoulol, norpatchoulenol) التي تمنحه هذا العمق الفطري.

الباتشولي يُمكن وصفه أيضا بأنه “بلسمي راتنجي” لأن الرائحتين تنبعان من خصائص مختلفة، وهما:

١. الراتنجية (Resinous):

تشير إلى الثِقل والعمق واللزوجة الجافة في الرائحة.

تنبع من تشبّع الباتشولي بجزيئات ثقيلة مثل bulnesene وnorpatchoulenol، والتي تُعطي طابعًا غامضًا، داكنًا، يشبه اللبان أو المر بدرجات معينة.

هذه الخاصية تُشبه العنصر البنائي الموجود في الراتنجات الشجرية.

٢. البلسمية (Balsamic):

تشير إلى الدفء والنعومة واللزوجة الحلوة في الرائحة.

تعود إلى جزيئات مثل patchoulol وpogostol التي تعطي لمسة مستديرة، حنونة، تُشبه البلسم الطبيعي مثل البنزوين أو بلسم تولو.

هذه الخاصية تُشبه الراحة العطرية المبطّنة التي نجدها في مواد مثل التولو أو الستوراكس.

إذن: الراتنجي هو الجانب “الهيكلي” في الباتشولي،
والبلسمي هو الجانب “الحسي – العاطفي” فيه، وكلاهما موجودان فيه، لكن لا يُشَمّان دائمًا بوضوح في كل استخدام عطري، لأن بعض التركيبات تُبرز الخشب أو التراب أكثر.

الباتشولي من المواد الخام العطرية الغنية والمعقدة، ويستخلص عادة من أوراق نبات Pogostemon cablin.

مركباته الأساسية هي المسؤولة عن هذه الرائحة المتعددة الطبقات، إليك أهم مركبات الباتشولي مع وصف لرائحة كل منها:

وإليكم أفضل أنواع الباتشولي الموجودة في موقع هيرميتاج: